سورة الأعراف - تفسير تفسير القرطبي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الأعراف)


        


{وَبَيْنَهُما حِجابٌ وَعَلَى الْأَعْرافِ رِجالٌ يَعْرِفُونَ كُلاًّ بِسِيماهُمْ وَنادَوْا أَصْحابَ الْجَنَّةِ أَنْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوها وَهُمْ يَطْمَعُونَ (46)}
أي بين النار والجنة- لأنه جرى ذكرهما- حاجز، أسور. وهو السور الذي ذكره الله في قوله: {فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ}. {وَعَلَى الْأَعْرافِ رِجالٌ} أي على أعراف السور، وهي شرفه. ومنه عرف الفرس وعرف الديك. روى عبد الله بن أبي يزيد عن ابن عباس أنه قال: الأعراف الشيء المشرف.
وروى مجاهد عن ابن عباس أنه قال: الأعراف سور له عرف كعرف الديك. والأعراف في اللغة: المكان المشرف، جمع عرف. قال يحيى بن آدم: سألت الكسائي عن واحد الأعراف فسكت، فقلت: حدثنا إسرائيل عن جابر عن مجاهد عن ابن عباس قال: الأعراف سور له عرف كعرف الديك. فقال: نعم والله، واحده يعني، وجماعته أعراف، يا غلام، هات القرطاس، فكتبه. وهذا الكلام خرج مخرج. المدح، كما قال فيه: {رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ} وقد تكلم العلماء في أصحاب الأعراف على عشرة أقوال: فقال عبد الله بن مسعود وحذيفة بن اليمان وابن عباس والشعبي والضحاك وابن جبير: هم قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم. قال ابن عطية: وفي مسند خيثمة بن سليمان في آخر الجزء الخامس عشر حديث عن جابر بن عبد الله قال قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «توضع الموازين يوم القيامة فتوزن الحسنات والسيئات فمن رجحت حسناته على سيئاته مثقال صوابه دخل الجنة ومن رجحت سيئاته على حسناته مثقال صوابه دخل النار». قيل: يا وسول الله، فمن استوت حسناته وسيئاته؟ قال: {أولئك أصحاب الأعراف} {لَمْ يَدْخُلُوها وَهُمْ يَطْمَعُونَ}.
وقال مجاهد: هم قوم صالحون فقهاء علماء.
وقيل: هم الشهداء، ذكره المهدوي.
وقال القشيري: وقيل هم فضلاء المؤمنين والشهداء، فرغوا من شغل أنفسهم، وتفرغوا لمطالعة حال الناس، فإذا رأوا أصحاب النار تعوذوا بالله أن يردوا إلى النار، فإن في قدرة الله كل شي، وخلاف المعلوم مقدور. فإذا رأوا أهل الجنة وهم لم يدخلوها بعد يرجون لهم دخولها.
وقال شرحبيل بن سعد: هم المستشهدون في سبيل الله الذين خرجوا عصاة لآبائهم. وذكر الطبري في ذلك حديثا عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأنه تعادل عقوقهم واستشهادهم. وذكر الثعلبي بإسناده عن ابن عباس في قول عز وجل: {وَعَلَى الْأَعْرافِ رِجالٌ} قال: الأعراف موضع عال على الصراط، عليه العباس وحمزة وعلي بن أبي طالب وجعفر ذو الجناحين، رضي الله عنهم، يعرفون محبيهم ببياض الوجوه ومبغضيهم بسواد الوجوه. وحكى الزهراوي أنهم عدول القيامة الذين يشهدون على الناس بأعمالهم، وهم في كل أمة. واختار هذا القول النحاس، وقال: وهو من أحسن ما قيل فيه، فهم على السور بين الجنة والنار.
وقال الزجاج: هم قوم أنبياء.
وقيل: هم قوم كانت لهم صغائر لم تكفر عنهم بالآلام والمصائب في الدنيا وليست لهم كبائر فيحبسون عن الجنة لينالهم بذلك غم فيقع في مقابلة صغائرهم. وتمنى سالم مولى أبي حذيفة أن يكون من أصحاب الأعراف، لأن مذهبه أنهم مذنبون.
وقيل: هم أولاد الزنى، ذكره القشيري عن ابن عباس.
وقيل: هم ملائكة موكلون بهذا السور، يميزون الكافرين من المؤمنين قبل إدخالهم الجنة والنار، ذكره أبو مجلز. فقيل له: لا يقال للملائكة رجال؟ فقال: إنهم ذكور وليسوا بإناث، فلا يبعد إيقاع لفظ الرجال عليهم، كما أوقع على الجن في قوله: {وَأَنَّهُ كانَ رِجالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجالٍ مِنَ الْجِنِّ} فهؤلاء الملائكة يعرفون المؤمنين بعلاماتهم والكفار بعلاماتهم، فيبشرون المؤمنين فبدخولهم الجنة وهم لم يدخلوها بعد فيطمعون فيها. وإذا رأوا أهل النار دعوا لأنفسهم بالسلامة من العذاب. قال ابن عطية: واللازم من الآية أن على الأعراف رجالا من أهل الجنة يتأخر دخولهم ويقع لهم ما وصف من الاعتبار في الفريقين. أي بعلاماتهم، وهي بياض الوجوه وحسنها في أهل الجنة، وسوادها وقبحها في أهل النار، إلى غير ذلك من معرفة حيز هؤلاء وحيز هؤلاء.
قلت: فوقف عن التعيين لاضطراب الأثر والتفصيل، والله بحقائق الأمور عليم. ثم قيل: الأعراف جمع عرف وهو كل عال مرتفع، لأنه بظهوره أعرف من المنخفض. قال ابن عباس: الأعراف شر ف الصراط.
وقيل: هو جبل أحد يوضع هناك. قال ابن عطية: وذكر الزهراوي حديثا أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «إن أحدا جبل يحبنا ونحبه وإنه يوم القيامة يمثل بين الجنة والنار يحبس عليه أقوام يعرفون كلا بسيماهم هم إن شاء الله من أهل الجنة». وذكر حديثا آخر عن صفوان بن سليم أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «إن أحدا على ركن من أركان الجنة». قلت: وذكر أبو عمر عن أنس بن مالك أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال:«أحد جبل يحبنا ونحبه وإنه لعلى ترعة من ترع الجنة». قوله تعالى: {وَنادَوْا أَصْحابَ الْجَنَّةِ} أي نادى أصحاب الأعراف أصحاب الجنة. أن سلام عليكم أي قالوا لهم سلام عليكم.
وقيل: المعنى سلمتم من العقوبة. لم يدخلوها وهم يطعمون أي لم يدخل الجنة أصحاب الأعراف، أي لم يدخلوها بعد. {وَهُمْ يَطْمَعُونَ} على هذا التأويل بمعنى وهم يعلمون أنهم يدخلونها. وذلك معروف في اللغة أن يكون طمع بمعنى علم، ذكره النحاس. وهذا قول ابن مسعود وابن عباس وغيرهما، أن المراد أصحاب الأعراف.
وقال أبو مجلز: هم أهل الجنة، أي قال لهم أصحاب الأعراف سلام عليكم وأهل الجنة لم يدخلوا الجنة بعد وهم يطمعون في دخولها للمؤمنين المارين على أصحاب الأعراف. والوقف على قوله: {سَلامٌ عَلَيْكُمْ}. وعلى قوله: {لَمْ يَدْخُلُوها}. ثم يبتدئ {وَهُمْ يَطْمَعُونَ} على معنى وهم يطمعون في دخولها. ويجوز أن يكون {وَهُمْ يَطْمَعُونَ} حالا، ويكون المعنى: لم يدخلها المؤمنون المارون على أصحاب الأعراف طامعين، وإنما دخلوها غير طامعين في دخولها، فلا يوقف على {لَمْ يَدْخُلُوها}.


{وَإِذا صُرِفَتْ أَبْصارُهُمْ تِلْقاءَ أَصْحابِ النَّارِ قالُوا رَبَّنا لا تَجْعَلْنا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (47)}
قوله تعالى: {وَإِذا صُرِفَتْ أَبْصارُهُمْ تِلْقاءَ أَصْحابِ النَّارِ} أي جهة اللقاء وهي جهة المقابلة. ولم يأت مصدر على تفعال غير حرفين: تلقاء وتبيان. والباقي بالفتح، مثل تسيار وتهمام وتذكار. وأما الاسم بالكسر فيه فكثير، مثل تقصار وتمثال. قالوا أي قال أصحاب الأعراف. {ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين} سألوا الله ألا يجعلهم معهم، وقد علموا أنه لا يجعلهم معهم. فهذا على سبيل التذلل، كما يقول أهل الجنة: {رَبَّنا أَتْمِمْ لَنا نُورَنا} ويقولون: الحمد لله. على سبيل الشكر لله عز وجل. ولهم في ذلك لذة.


{وَنادى أَصْحابُ الْأَعْرافِ رِجالاً يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيماهُمْ قالُوا ما أَغْنى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ وَما كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ (48) أَهؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لا يَنالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ (49)}
قوله تعالى: {وَنادى أَصْحابُ الْأَعْرافِ رِجالًا يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيماهُمْ} أي من أهل النار. {قالُوا ما أَغْنى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ وَما كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ} أي للدنيا واستكباركم عن الإيمان. {أَهؤُلاءِ الَّذِينَ} إشارة إلى قوم من المؤمنين الفقراء، كبلال وسلمان وخباب وغيرهم. {أَقْسَمْتُمْ} في الدنيا. {لا يَنالُهُمُ اللَّهُ} في الآخرة. {بِرَحْمَةٍ} يوبخونهم بذلك. وزيدوا غما وحسرة بأن قالوا لهم {ادْخُلُوا الْجَنَّةَ} وقرأ عكرمة {دخلوا الجنة} بغير ألف والدال مفتوحة. وقرأ طلحة بن مصرف {أدخلوا الجنة} بكسر الخاء على أنه فعل ماض. ودلت الآية على أن أصحاب الأعراف ملائكة أو أنبياء، فإن قولهم ذلك إخبار عن الله تعالى ومن جعل أصحاب الأعراف المذنبين كان آخر قولهم لأصحاب النار {وَما كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ} ويكون {أَهؤُلاءِ الَّذِينَ} إلى آخر الآية من قول الله تعالى لأهل النار توبيخا لهم على ما كان من قولهم في الدنيا. وروي عن ابن عباس، والأول عن الحسن.
وقيل: هو من كلام الملائكة الموكلين بأصحاب الأعراف، فإن أهل النار يحلفون أن أصحاب الأعراف يدخلون معهم النار فتقول الملائكة لأصحاب الأعراف: {ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ}

8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15